ديما.. طفلة من غزة فقدت بصرها وألوانها في حرب لم ترحم أحداً
ديما.. طفلة من غزة فقدت بصرها وألوانها في حرب لم ترحم أحداً
لم تعد الطفلة الفلسطينية ديما أشكوكاني، ذات الستة عشر عاماً، قادرة على تحريك أطرافها أو الإمساك بفرشاة الرسم التي كانت تصنع بها عالمها الصغير، فقد تحولت أحلامها إلى رماد بعد أن فقدت بصرها وأصيبت بشلل نصفي جراء قصف إسرائيلي استهدف المنزل الذي لجأت إليه أسرتها في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
كانت ديما، كما تقول والدتها، روح البيت، طفلة تفيض حياةً وبهجة، تحب الرسم وتتفوق في دراستها، لكن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطفأت كل ذلك في لحظة، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول، واليوم ترقد على سريرها في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، بالكاد تهمس بكلماتها الضعيفة التي تختصر كل الحلم: "أتمنى أن أعود للرسم وأن أتعالج خارج غزة".
جسد صغير يحمل وجع وطن
تروي والدتها، إسراء أشكوكاني، بحرقة الأم المكلومة: نزحنا من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات، وخلال وجودنا في المنزل استهدفتنا طائرة انتحارية إسرائيلية.. أصبت أنا وبناتي الثلاث، وكانت ديما الأكثر تضرراً.
وتضيف وهي تمسح دموعها: دخلت ديما في غيبوبة طويلة، وبعد أن أفاقت اكتشفنا أنها فقدت بصرها وأصيبت بشلل نصفي وصعوبة في النطق والبلع، كانت طالبة متفوقة وموهوبة في الرسم، أما اليوم فهي لا تتحرك ولا تأكل بمفردها.
وتناشد الأم العالم أن ينقذ طفلتها من العجز قائلة: ديما كانت تملأ البيت ضحكاً، لكنها الآن لا تبتسم، ولا تستطيع حتى أن ترى من حولها.
من قصفٍ إلى شللٍ وصمتٍ ثقيل
يؤكد الطبيب عبد الرحمن نصار، استشاري جراحة الأعصاب، أن الطفلة أصيبت بشظايا مستقرة في الجزء الأيسر من الدماغ تسببت بتلف واسع في الأنسجة، ما أدى إلى فقدان شبه كامل للبصر وشلل نصفي في الجهة اليمنى.
ويضيف أن ديما تحتاج إلى علاج متطور غير متوفر في قطاع غزة نتيجة الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية بعد تدمير المستشفيات بفعل القصف الإسرائيلي.
الطفولة تحت الركام
بحسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليون طفل في قطاع غزة اليوم دون مياه أو غذاء كافٍ، فيما فقد عشرات الآلاف أطرافهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة، وتشير تقارير منظمة اليونيسف إلى أن ما لا يقل عن 64 ألف طفل فقدوا أو أصيبوا خلال العامين الماضيين، بينهم الآلاف ممن باتوا غير قادرين على العودة إلى مدارسهم أو ممارسة حياتهم الطبيعية.
أمل ضئيل في قلب العتمة
رغم الألم الذي يعصف بجسدها الصغير، ما زال في صوت ديما وميض من أمل وهي تهمس: أريد أن أتعالج.. وأعود للرسم.
أما والدتها فتقول بصوت يختنق بالدموع: ربما توقف القصف، لكن الحرب لم تنتهِ داخلنا بعد، الألم يسكن كل بيت، وكل أم في قطاع غزة تحمل قصة تشبه قصتي مع ديما.
شهد قطاع غزة خلال عامين من الإبادة الجماعية واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، أكثر من 68 ألف شهيد و170 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، ودمار طال نحو تسعين في المئة من البنية التحتية المدنية.
انهارت المنظومة الصحية بشكل شبه كامل بعد استهداف عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، فيما تحولت معاناة المصابين إلى نداء مفتوح للعالم.
اليوم، تقف غزة على حافة العطش والجوع والمرض، فيما يواصل أطفالها، مثل ديما، محاولتهم البقاء على قيد الأمل في عالم فقد إنسانيته.










